قال: "أو أن بعض المحرفين الضالين أسقطها قصداً للفساد، وإنكاراً لصفة الفوقية" إذا إن كلمة: (وفوقه) من كلام الماتن تثبت علو الله، وتثبت له صفة الفوقية، والمؤولون -كما تقدم - ينكرونها أشد الإنكار، بل يرى بعضهم أن إثباتها كفر كما هو منصوص عليه في كتب كثير من الأشاعرة والماتريدية، وغيرهم من الجهمية وأتباعهم: أن من أثبت العلو والاستواء حقيقة دون تأويل أو تحريف، فإنه يكفر، وقال بعضهم: لا يكفر مطلقاً، بل ينظر؛ إن كان جاهلاً يعذر، وإن كان عالماً بلوازم ذلك فإنه يكفر، وقال بعضهم: هو عاصٍ؛ لأن ظواهر النصوص تشفع له، وقال بعضهم: لا يكفر ولا يفسق ولا يأثم وإنما يكون مخطئاً. وكل هذه الأقوال باطلة، فهم لا يريدون أن يثبتوا هذه الصفة من صفات الله تبارك وتعالى؛ لما قام في أذهانهم من خيالات وأوهام ولوازم باطلة، فيخرجون من هذه اللوازم والخيالات والأوهام بإنكار ما ثبت في كتاب الله وسنة رسوله صلى الله عليه وسلم، وما هو مستقر في العقول والفطر السليمة.
يقول: "وإلا فقد قام الدليل على أن العرش فوق المخلوقات، وليس فوقه شيء من المخلوقات" وهذا شيء معروف، فالمخلوقات كلها تحت العرش، وهو أعظمها جميعاً وفوقها.
لكن ثمة شيء آخر فوق العرش، قال النبي صلى الله عليه وسلم: {إن الله كتب في كتاب فهو عنده فوق العرش أن رحمتي سبقت غضبي} فهذا دليل على وجود شيء فوق العرش، وهذا الحديث مما يؤكد العلو والاستواء والفوقية، لأنه قال: (عنده فوق العرش)، فلو كان كما يقولون: هو في كل مكان، فما معنى قوله: (عنده فوق العرش)؟ فالمقصود من: (فوق العرش)، أي: أن المخلوقات في جملتها هي أصغر من العرش ودونه، وهو فوقها ومحيط بها.
يقول: "فلا يبقى لقوله: محيط بكل شيء فوق العرش -والحالة هذه- معنى" هل يمكن أن يكون هذا من كلام العقلاء: أن يوصف الله تعالى بأنه محيط بكل شيء فوق العرش؟! لا. وإنما هو محيط بكل شيء وفوقه، أي: أن الله فوق كل شيء. هذا على النسخة الأولى، أي: المثبت فيها الواو.
قال رحمه الله -معللاً-: "إذ ليس فوق العرش من المخلوقات ما يحاط به، فتعين ثبوت الواو، ويكون المعنى: أنه سبحانه محيط بكل شيء، وفوق كل شيء".